الخميس، 14 فبراير 2013



تكملة الأمالي العراقية 

زيد كاظم الجوادي 

بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين 

وبعد



فإنه ليس بوسع مَنْ عرف شيخا السيد عداب الحمش أو سمع عنه، إلا معرفة الحقبة العراقية من تاريخه الحافل. كما أنه ليس بإمكان أحد أن يعرف الحقبة العراقية دون معرفة "الأمالي العراقية".

ولقد كانت هذه الأمالي تسجيلاً واقعياً لدروس شبه عامة كان يعقدها الشيخ حفظه الله في منزله في حي جميلة في بغداد، يحضرها بشكل منتظم عشرون طالباً، ربما زادوا على ذلك أحياناً وربما قلّوا.

بدأ انعقاد هذه الدروس تحت هذا العنوان بعد سنوات من دروس مختلفة في الحديث وأصول الفقه والتجويد، حتى بدا للشيخ حفظه الله تعالى أن يُعِدَّ خلاصةً من التلاميذ للإجازة الحديثية العامة الشاملة، يجمع فيها بين منهج إجازات الرواية وبين منهجه في النقد الحديثي، فقد كان حفظه الله تعالى لا يرى كمال إجازة الرواية دون معرفة الـمُجاز بـمهماتٍ من الدراية.

وعلى هذا الأساس انعقدت مجالس الإجازة الحديثية العامة في العراق، وبقيت منعقدة ما بين عام 1419 و1420 للهجرة أي بين عام 1998 وعام 1999 للميلاد. تخللتها مواعظ كثيرة وفوائد لا تحصى في شتى مجالات المعرفة، ما بين علوم الحديث، والقراءات، والإسناد، والتفسير، والسيرة، والتاريخ، والأدب، والنحو، والصرف، وغير ذلك.

بدأتْ هذه الأمالي بمقدماتٍ في المصطلح وطرق التحمل والأداء، ثم في قواعد تخريج الحديث النبوي ونقده، نَفَعَتْ وأمتَعَتْ، وتميزتْ بسعة الأفق وعُمقِ الفهم.

وتضمنتْ قراءةً حديثيةً لأحد عشر كتاباً من كتب الحديث، هي: موطأ مالك، ومسند أحمد، وسنن الدارمي، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجه، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، والصحاح الأربعة: البخاري، ومسلم، وابن خزيمة، وابن حبان. وهذه القراءة الحديثية شملت التعريف بكل كتاب من هذه الكتب وبمنهج مؤلفه فيه، ثم قراءة الإسناد الموصل إليه، مع عدد من أفراده، وبيان النكت التي يشتمل عليها.

وكان ختام هذه الأمالي يوم الخميس 3/6/1999 للميلاد، ثم طُبعتْ، وأجري اختبار للطلاب فيها.

غير أنه وكما أسلفنا، لم تكن دروس تلك الأمالي مقتصرة على ما ذكرنا من كتب الحديث الشريف؛ فالشيخ حفظه الله كان كثير الإشارة والحديث عن ما وراء هذه الكتب من مصادر حديثية عند المسلمين.

وقد تميز منهجه بعدم إغفال أي مذهب من المذاهب، بل إنه كان يطلب من تلامذته التعرف على مصادر المذاهب الإسلامية بدءاً من أصول الفقه، ومروراً بكتب الحديث، حتى لا يكون الطالب جاهلاً بمذهب غيره، فينشأ متعصباً غير قادر على التعايش مع مخالفه في الرأي.

ولقد لاقى شيخنا الفاضل عنتاً من المتعصبين وأصحاب العقول المنغلقة إزاء منهجه هذا، وصبر على وحشة الطريق الذي اختاره، والكيد والإفتراء الذي تعرض له.
ثم كان أن غادر العراق ما يقرب من عام، عاد بعده وهو مشوقٌ إلى تلامذته، وهم إليه أشوق.

إستأنف الشيخ دروسه مع تلامذته، وكان مما فعله أن أضاف للأمالي إضافات مهمة وهي دراسة الكتب الآتية:
1. مسند الربيع بن حبيب البصري الإباضي.
2. مسند الإمام زيد المعروف بالمجموع الكبير.
3. الحاكم النيسابوري وكتابه المستدرك.

ثم قدم فواتح عن كتب الشيعة الإمامية: كتاب الصدوق، والكافي للكليني، والشيخ أبو جعفر الطوسي ومنهجه في كتاب تهذيب الأحكام، والإستبصار.
هذا كله في عام 2002 للميلاد.

وإذا أردنا الإفاضة في الحديث عن منهج الشيخ، فإن ذلك يحتاج إلى بحث مستقل، غير أنني في إطار الحديث عن الأمالي العراقية أؤكد على أن المطبوع منها هو الجزء الأول فقط، أما الجزء الثاني الذي أملاه بعد عودته إلى العراق عام 2002 للميلاد، فإنه غير مطبوع، وهو بجملته مع الجزء الأول يوضح ملامح المنهج العلمي المميز لفضيلة الشيخ.
وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الشيخ كان مثالاً نادراً للجسد الإسلامي الواحد، يضم طلاباً من مذاهب مختلفة، كلهم يحب الشيخ ويحبه الشيخ، وكلهم يودون الإفادة من علمه ويحاورونه بحرية، كما أنهم يحبون بعضهم وتربطهم صلات طيبة متينة، يعود الفضل فيها بعد فضل الله تعالى إلى شيخنا الفاضل المتأسي بسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه الكرام، وآل بيته الطاهرين.

فقد كان شيخنا حريصاً على الألفة بين تلامذته جميعاً الذين فيهم أولاده الطيبون، إلى جانب غيرهم، فلم يكن يميز بينهم تمييزاً يوغر صدر أحد منهم على زملائه، بل كان يعير كل من يحضر مجلسه كثيراً من الإهتمام ويتفقدهم جميعاً.

هذه خلاصة ما يميز الحقبة العراقية من مسيرة الشيخ جزاه الله خيراً، وبارك في عمره وعلمه وعمله وذريته وتلامذته. وإن له في القلوب منزلة، وفي العقول محلاً وفي البصائر أثراً... فكم من متحير عرف اليقين والحق في مجلسه، وكم من مغرض متربص كان يحضر درسه عيناً وكيداً، أصبح فاهماً عارفاً بالحق... كما قال ربنا سبحانه وتعالى: ((فإذا الذي بينكَ وبينهُ عداوةٌ كأنهُ وليٌّ حميمٌ)) فصلت - 34

أسأل الله تبارك وتعالى أن يمده بالعافية وأن يجمعنا به في خير حال، ننهل من فيض علمه، ونتفيأ ظل مجلسه، كما نسأله تعالى أن يمدنا بالعافية والقوة لنبلغ علمه، وننشر منهجه خدمة لهذا الدين القويم، ووفاءً له وعرفانا.


هذا وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، والحمد لله رب العالمين